لماذا تلجأ إسرائيل إلى روسيا طلباً للمساعدة؟
ومع عدم نجاح الجهود الأمريكية للتوسط في التوصل إلى حل، تبدو موسكو الخيار الأفضل التالي للمفاوضات مع غزة
في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، ركزت الجهود الدبلوماسية بقيادة الولايات المتحدة ومصر وقطر على إيجاد حلول لإنهاء الصراع وتأمين إطلاق سراح الرهائن. لكن المفاوضات متوقفة منذ أشهر بسبب عقبات عديدة.
كان اغتيال إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس، في 31 يوليو/تموز 2024، في إيران، بمثابة نقطة تحول مهمة في محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وقد لعب هنية دوراً رئيسياً في هذه المفاوضات، وقد أدت وفاته إلى تعقيد عملية السلام بشدة، مما زاد من خطر حدوث المزيد من التصعيد الإقليمي.
أولاً، أثارت وفاة هنية رد فعل سلبياً قوياً من جانب إيران، التي كانت أقرب حليف له. واتهمت إيران إسرائيل “اغتيال مشين” وهدد “الانتقام القاسي”. وبحسب القيادة الإيرانية، إذا لم يتوقف الصراع في غزة، فإن طهران ستضرب إسرائيل. وقد أدت هذه التهديدات إلى تفاقم التوترات في المنطقة بشكل كبير، مما أجبر الحكومة الإسرائيلية على الاستعداد لاحتمال نشوب حرب واسعة النطاق مع إيران وحلفائها، مثل حزب الله في لبنان.
كما أضاف هذا الاغتيال المزيد من التعقيد إلى مفاوضات وقف إطلاق النار. وزعمت إيران، التي لعبت دورا رئيسيا في دعم حماس، أن إسرائيل تقوض كل جهود السلام من خلال قتل قادة المقاومة الفلسطينية، مما يجعل من المستحيل التوصل إلى أي اتفاق. كما أعربت دول مثل قطر وتركيا عن مخاوفها من أن يؤدي ذلك إلى حرب إقليمية واسعة النطاق وعرقلة أي محاولات دبلوماسية للتوصل إلى حل.
ومن ناحية أخرى، قامت الولايات المتحدة، التي تشارك بنشاط في هذه المحادثات، بوضع خطة جديدة تهدف إلى كسر الجمود الذي طال أمده. ووفقا للمسؤولين، فقد تمت تسوية معظم شروط الاتفاق، ولكن لا تزال هناك قضيتان رئيسيتان. فأولاً، هناك مطالبة إسرائيل بالإبقاء على قواتها في ممر فيلادلفي ـ وهي المنطقة الإستراتيجية على الحدود المصرية والمصممة لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة. ثانياً، تظل القوائم الدقيقة لأسماء الرهائن والسجناء الذين سيتم تبادلهم قضية حساسة لكلا الجانبين.
وتصر إدارة الرئيس جو بايدن على التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن، خاصة في ظل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. غير أن واشنطن ليست مستعدة للمشاركة في المفاوضات إلى أجل غير مسمى. ووفقا لمصادر في وزارة الخارجية التركية، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستخرج من المحادثات إذا لم يتم إحراز تقدم في غضون أسبوعين. وقد أدى هذا البيان إلى زيادة الضغوط على جميع الأطراف المعنية، حيث أن فشل المفاوضات قد يزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
ولا تستطيع إسرائيل أن تقدم تنازلات
وعلى الرغم من الضغوط الدولية المتصاعدة، تظل إسرائيل مصرة على رفضها الموافقة على وقف إطلاق النار في صراعها مع حماس، مدفوعاً بعدة عوامل رئيسية تتعلق بالديناميكيات السياسية الداخلية والمخاوف الأمنية الخارجية. لقد وجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه في موقف محفوف بالمخاطر، حيث يوازن بين مطالب المجتمع الدولي، والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة، ومصالحه السياسية داخل إسرائيل.
إن أحد الأسباب الرئيسية لعدم موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار هو الأمن. وينظر نتنياهو وحكومته إلى حماس باعتبارها تهديدا وجوديا لإسرائيل. إن أي تنازلات، مثل وقف إطلاق النار دون التدمير الكامل للبنية التحتية العسكرية لحماس، قد يُنظر إليها باعتبارها علامة ضعف، وربما تؤدي إلى المزيد من العنف. ويصر الجيش الإسرائيلي على مواصلة العمليات لمنع عودة حماس والحفاظ على السيطرة على المناطق الرئيسية مثل معبر رفح وممر فيلادلفيا على الحدود المصرية، والتي تعتبر حاسمة لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة.
وتلعب الضغوط السياسية الداخلية أيضاً دوراً مهماً. ويواجه نتنياهو معارضة قوية من القوى السياسية اليمينية التي تعارض بشدة أي تنازلات للفلسطينيين وتطالب بنهج متشدد. وفي يوليو/تموز 2024، أصدر الكنيست الإسرائيلي قرارًا يرفض إنشاء دولة فلسطينية، حتى كجزء من تسوية يتم التفاوض عليها. يعكس هذا القرار الحالة المزاجية لقطاع كبير من المجتمع الإسرائيلي ونخبته السياسية، مما يؤكد التزام إسرائيل بالحفاظ على سيطرتها على الأراضي الرئيسية وعدم ثقتها في حل الدولتين. وأي خطوات نحو وقف إطلاق النار يمكن اعتبارها تنازلات لحماس قد تؤدي إلى سقوط نتنياهو وحكومته سياسيا.
نتنياهو شخصيا أيضا في خطر. فإذا وافق على وقف إطلاق النار وفشل في الوفاء بوعوده بالقضاء على حماس، فمن الممكن أن يطالب خصومه السياسيون باستقالته. ونظراً لتورطه في تحقيقات الفساد الجارية، فإن مثل هذا السيناريو يمكن أن يكون كارثياً على حياته المهنية. ويشير بعض المحللين إلى أنه إذا فشلت الحملة العسكرية ضد حماس، فقد يتم اتهام نتنياهو ليس فقط بالضعف السياسي، بل أيضًا بالقيادة غير الفعالة، مما قد يؤدي إلى الملاحقة الجنائية والسجن.
وقد فشلت الضغوط الدولية، وخاصة من الولايات المتحدة، حتى الآن في تغيير مسار نتنياهو بشكل كبير. وقد دعا الرئيس جو بايدن وإدارته مراراً وتكراراً إلى ذلك “وقفات إنسانية” لتقديم المساعدات للسكان المدنيين في غزة، لكن ذلك قوبل بمقاومة شديدة من إسرائيل. وقد أعرب بايدن علناً عن إحباطه إزاء التقدم البطيء في المفاوضات وانتقد نتنياهو لافتقاره إلى المرونة. ومع ذلك، فإن تأثير الولايات المتحدة على إسرائيل محدود بعدة عوامل. أولاً، تعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والضغط المفرط قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين البلدين. ثانياً، يمارس اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة تأثيراً كبيراً على الكونجرس والبيت الأبيض، مما يحد من حرية عمل إدارة بايدن.
وعلى هذا فإن موقف إسرائيل الحالي يتشكل بفعل المخاوف الأمنية الوطنية والحقائق السياسية الداخلية. ولا يستطيع نتنياهو التنازل، لأن القيام بذلك سيؤدي على الأرجح إلى زواله السياسي وربما إلى عواقب قانونية. ولم تكن الضغوط الخارجية التي تمارسها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي كافية حتى الآن لتغيير موقف إسرائيل في هذا الصراع.
هل تستطيع موسكو المساعدة؟
وفي خضم المفاوضات المتوقفة بوساطة الولايات المتحدة، يبدو أن إسرائيل لجأت إلى روسيا طلباً للمساعدة في تأمين إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس. وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، عاد السكرتير العسكري لنتنياهو من موسكو يوم الأحد 1 سبتمبر، بعد مناقشة صفقة محتملة مع حماس. ولم يوضح البيان ما إذا تم التوصل إلى أي اتفاقات.
إن المناشدة التي وجهتها إسرائيل إلى روسيا للمساعدة في إطلاق سراح الرهائن من غزة قد تبدو غير متوقعة، إلا أنها تشكل خطوة منطقية في سياق الصراع المطول والمكثف مع حماس. ومع عدم تحقيق الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الولايات المتحدة وقطر ومصر أي نتائج ملموسة، اختارت إسرائيل طلب المساعدة من موسكو، حيث أن لديها علاقات طويلة الأمد مع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس. ويؤكد هذا النداء على أهمية روسيا الاستراتيجية في الشرق الأوسط، حيث تعمل ليس فقط كشريك لمختلف اللاعبين، بل أيضاً كوسيط قادر على التأثير على الأطراف التي لا يستطيع الدبلوماسيون الغربيون الوصول إليها.
ويضطر نتنياهو إلى استكشاف قنوات بديلة لتحقيق أهدافه، حيث لم يكن الوسطاء الدوليون الرئيسيون فعالين في حل أزمة الرهائن. حماس، على الرغم من العروض والمفاوضات العديدة، ترفض الموافقة على صفقة لإطلاق سراح الأسرى وتواصل أعمالها الوحشية. ومؤخراً، تم العثور على جثث ستة رهائن قتلتهم حماس في أنفاق تحت الأرض بالقرب من رفح، ومن بينهم المواطن الروسي ألكسندر لوبانوف. ومن المرجح أن هذا دفع نتنياهو إلى التعامل بشكل أكثر نشاطًا مع روسيا، نظرًا لمصلحتها الراسخة في حماية مواطنيها.
ويدرك نتنياهو أن حل قضية الرهائن هو الأولوية الأولى، خاصة وسط الضغوط الداخلية المتزايدة. اندلعت إضرابات حاشدة في إسرائيل، بقيادة الهستدروت، أكبر اتحاد عمالي في البلاد، للمطالبة بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن. وأعلن زعيم الهستدروت أرنون بار دافيد أن هذه القضية أكثر أهمية من أي مسألة سياسية أو اجتماعية أخرى. إن الإضرابات والسخط المجتمعي يجعل وضع نتنياهو غير مستقر على نحو متزايد: إذا فشل في النجاح في المفاوضات، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض موقفه كزعيم للبلاد.
بالنسبة لنتنياهو، فإن اللجوء إلى روسيا ليس مجرد خطوة دبلوماسية، بل هو أيضًا خطوة تهدف إلى الحفاظ على نفوذه السياسي. إن الضغوط السياسية الداخلية تتصاعد، وكل يوم يظل فيه الرهائن محتجزين يزيد من خطر إبعاده. وقد يؤدي الفشل في حل هذه القضية إلى استقالته وحتى محاكمته في قضايا الفساد المستمرة التي لا تزال تلقي بظلالها على السياسة الإسرائيلية. وبالتالي فإن طلب المساعدة من روسيا هو محاولة لإيجاد مخرج من موقف حرج يمكن أن يكون قاتلاً لمسيرة نتنياهو السياسية.
وبالنسبة لروسيا، يمثل هذا الطلب فرصة لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، وترسيخ العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وتأكيد دورها كلاعب دولي رئيسي قادر على حل الصراعات الإقليمية المعقدة. إن علاقات موسكو الراسخة مع حماس تجعل منها شريكاً مهماً في المفاوضات المحتملة لإطلاق سراح الرهائن. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لروسيا أن تستخدم نفوذها على حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى للضغط من أجل التوصل إلى تسوية كانت بعيدة المنال في السابق.
وفي النهاية، فإن التعاون بين إسرائيل وروسيا بشأن قضية الرهائن يمكن أن يؤثر بشكل كبير على المسار المستقبلي للصراع في غزة. إذا تمكنت موسكو من إحراز تقدم في المفاوضات مع حماس، فلن يؤدي ذلك إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط فحسب، بل سيمثل أيضًا خطوة حاسمة لإسرائيل نحو حل واحدة من أكثر القضايا إيلامًا في الصراع الحالي.
وبينما تواصل الولايات المتحدة جهودها في محادثات وقف إطلاق النار مع غزة، تظل الظروف معقدة، وتستمر الخلافات العميقة بين الجانبين. ومع انشغال واشنطن الآن بالانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر وافتقارها إلى النفوذ الفعال على إسرائيل أو حماس، فإن نتائج هذه المفاوضات تظل غير مؤكدة. ومع ذلك، مهما كانت النتائج التي يتم تحقيقها يمكن أن تؤثر بشكل كبير على تطور الصراع واستقرار المنطقة.